من حقك تحزن

أكتر وقت من حقنا نحزن فيه، هو وقت الفقد، بس الغريبة إن برضه ده أكتر وقت الناس مش بتسمحلنا إننا نحزن، وبيحاولوا يكتموا أي محاولة للتعبير عن مشاعرنا، ومش بيبقوا عايزيننا حتى نعبر عن حزننا بالبكاء والدموع، ولو بالكتير سبونا نعيط أول يوم، ممكن من تاني يوم يحاولوا يسكتونا بأي شكل، وهما فاكرين إنهم كده بيساعدونا، مع إن الحقيقة إنهم بيأذونا، لأن لو وجعنا ده ماطلعش بأي شكل صحي، ممكن نكتئب أو ده يطلع على جسمنا ونلاقي نفسنا بنمرض أو بنعاني من الالام جسدية غير مبررة.


بس ده مش بس بيحصل في أي عزا، لكن للأسف دي طريقة مجتمعاتنا العربية في التعامل مع أي مشاعر سلبية أو مؤلمة، وأغلبنا بيتعامل بنفس الطريقة مع وجع ودموع أي حد، وبنبقى كإننا عايزين نعمل أراجوز عشان نخلي الشخص اللي بيعيط يضحك، ونفضل نقول كلام شبيه ب"فين الضحكة الحلوة؟" ونقول المفروضات كلها اللي ممكن تيجي على بالنا: زي "الراجل مايعيطش" و"المؤمن مايكتئبش" و كلام فارغ كتير بيُستخدم لكبت مشاعرنا وإنسانيتنا، وفي وسط ده كله بننس حق أي بني آدم إنه يحزن.


ولما قعدت أفكر ليه إحنا بنعمل كده، لاقيت أسباب كتيرة: 

منها إننا في المواقف الصعبة مش بنبقى عارفين نقول إيه، فبنضطر نقول أي كلام وخلاص، وفي الغالب بنستعين بالكلشيهات المحفوظة اللي بتتقال في المواقف اللي زي دي حتى لو إحنا مش فاهمين معناها، زي مثلاً جملة "شد حيلك" اللي بتتقال في أي عزا، مع إن ماحدش فينا عارف المفروض الواحد يشد حيله إزاي، ده غير إن من كتر الناس اللي بيعزوه.. في الأخر هيكون حيله أصلاً اتهد!


وممكن نكون كمان مش قادرين نستحمل حزن ووجع اللي قدامنا، والجو الكئيب اللي بتفرضه المشاعر دي من تقل، وخصوصاً كمان لو كان الحد المتألم ده فارق معانا قوي، ساعتها مش بنكون مستحملين إننا نشوفه متألم، وبنبقى عايزينه يكون كويس ويخرج من الحتة اللي هو فيها بأسرع وقت، والموضوع كمان بيبقى أصعب علينا لما نكون مش قادرين نعمل حدود بين مشاعرنا ومشاعر الشخص المتألم، وبنتورط قوي في وجعه لدرجة إننا مش بنبقى قادرين إحنا نفسنا نخرج من الحالة دي، وساعتها بدل ما هنكون بنساعده.. هنوقع وننهار جنبه. 


وبالإضافة لكل الأسباب دي فإحنا للأسف ماتربيناش على التعبير عن مشاعرنا المؤلمة واحترامها، ومش بنعرف نتعامل مع مشاعرنا إحنا المؤلمة، فما بالكم بقى بمشاعر الآخرين.


وأنا مقدّرة جداً صعوبة تقدير مشاعر أي حد، وحتى تقدير مشاعرنا الشخصية، لأني أنا شخصياً برغم إني باقدر أحس وأقدّر مشاعر غيري لدرجة كبيرة قوي، لكن مش طول الوقت باقدر أعمل كده، والأصعب كمان عليَّ إني أقدّر مشاعري أنا الشخصية.


بس لو إنت مش لاقي حد يقدّر مشاعرك، أو إنت نفسك مش عارف تقدّرها، فأنا عايزة أقولك وأقول كمان لنفسي، إن من حقك تحزن: 

من حقك إن مشاعرك تحترم وتتقدّر حتى لو كانت مش منطقية. 

من حقك تكون إنسان بتبكي وتنوح على أي فقد حصلك من غير ما تسمع وعظ، أو كلشيهات خالية من أي مشاركة حقيقية.

من حقك تاخد مساحتك ووقتك من غير ما حد يستعجلك ويكتم على مشاعرك من قبل ما حتى ما تطلع. 

من حقك حتى لو مش لاقي ده، إنك تسمح بيه لنفسك، وهو ده بالنسبالي التحدي الأصعب.


ماري منير 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنا بكره ربنا!

الحب والاحتياج

قطع العلاقات فن!