تحدي الاختلاف في مجتمع يريد الجميع متشابهين!



كثيراً ما عانيت خلال مراحل حياتي المختلفة من الرفض بسبب اختلافي عن الآخرين، وكان ذلك يشعرني إن الاختلاف مرض يجب أن أعالجه لكي ما أحظى بالقبول والانتماء للمجتمع الذي أعيش فيه.

أما الآن بعد أن نضجت وإزداد وعيي وفهمي لحقيقة من أكون، إكتشفت أن التشبه بالآخرين هو المرض المميت الذي تغلل في كياننا، وأفقدنا كل ما هو حقيقي فينا وأصيل، ومنعنا أن نقبل ونعيش تفردنا، وأن نكون ما أراده الله لنا أن نكونه. فهو لو كان يريدنا متشابهين لما خلقنا مختلفين!

ولكننا نحن نريد أن نعدل خلقته ونصبح كالآخرين، أملاً منا أن نخفي معالم تميزنا، ونهرب من وصمة اختلافنا التي فرضها علينا المجتمع، ونحن وافقنا دون اعتراض أو تشكيك.

والآن نحتاج إلى وقفة نتساءل فيها :

- هل نحن فعلاً متشابهين؟!
أم أننا في حقيقة الأمر مختلفين، ولكننا نلبس أقنعة تحاكي الآخرين حتى لا نكون مرفوضين ولو على حساب كياننا الفريد؟

- وهل إلى هذا الحد أصبحنا نرى هذا الاختلاف سُبة ننعت بها السفهاء والمرضى العقليين؟! أم الحقيقة هي أن المتشابهين هم المرضى المساكين، والمختلفين هم العقلاء الذي لم يصبهم هذا الداء اللعين؟

- وإلى متى سوف نتبع سياسة القطيع التى تريد الكل مبرمجين ولا يأتون بأي شيء جديد، لكي نبقى مجمدين في صيغ محفوظة بالية عفى عليها الزمن، في حين أن العالم من حولنا يسير؟!

- ومتى سوف نقبل ونحترم الآخر المختلف عنا دون أن نهاجمه لمجرد أن لديه أفكار وآراء لا نوافق عليها، أو حتى يؤمن بدين لا نؤمن به؟!

- ومن نحن لكي ندين أو نكفر الآخرين، ونقول لهذا أو ذاك "يليق أو لا يليق"؟!

- ولماذا لا نظهر على حقيقتنا دون تزييف أو تجميل، ونعبر عن مشاعرنا ونقبلها كما هي، مما يتيح لنا أن نحترم مشاعر الآخر بدون أن ننهال عليه بالوعظ والنصائح واللوم؟!

- وهل من الممكن أن يأتي اليوم الذي فيه نتجرأ ونكون أنفسنا بدون أقنعة، حتى لو أصبحنا من المنبوذين؟!

أنا لا أعرف ما هو وضعك من كل ما أقول، ولكني قررت وأنا في كامل قوايّ العقلية أن أكون نفسي حتى لو كانت النتيجة مزيداً من الرفض والوحدة والتجريح! ولن أقبل أن أكون كما يريدني الآخرين، وهذا أمر لا أقبل المساومة فيه.

وكما قال رولو ماي في كتابه فن المشورة "ففي النهاية ليس المرء غير ذاته كي يحيا من خلالها ويواجه العالم. لو لم يستطيع المرء أن يكون ذاته فبالتأكيد ليس باستطاعته أن يكون شيئاً آخر، مهما كانت رغبته عظيمة في أن يكون كذلك. إن ذاته تختلف عن كل ذات أخرى. إنها متفردة، وتعتمد صحة العقل على قبول هذا التفرد".

 لذلك فأنت لك مطلق الحرية أن تختار إما أن تكون نفسك.. أو تكون مريض!

ولكني أدعوك أن تغامر وتقبل هذا التحدي: أن تكون مختلف حتى لو كان كل من حولك متشابهين، فإنك لن تنتفع شيئاً لو أصبحت مقبول من الجميع ولكن في غمار كل هذا فقدت نفسك المميزة، الفريدة، التي لا يوجد ولن يوجد لها مثيل.



ماري منير

أكتوبر 2010

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنا بكره ربنا!

الحب والاحتياج

قطع العلاقات فن!